حـسـيـن الطـراونــة
بحث موسى الكـايد
من البديهي القول ان الزعيم الوطني والشعبي يظهر في مرحلة يتوفر خلالها الاستعداد الطبيعي لظهوره وبروزه . وقد اختلف الباحثون كثيراً « هل الزعيم هو الذي يدفع بقومه إلى الإمام ، أم أن القوم هم الذين يدفعون الزعيم إلى الأمام ؟ » .
ويتابع الشيخ حسين الطراونة نضاله الوطني كرئيس للمؤتمر الوطني العام ، وتستمر مكاتباته مع الجهات البريطانية، ثم يوسع دائرة اتصالاته فيبعث ببرقية الى الامم المتحدة في اواخر تشرين الاول 1928م ، ولم يتوقف ابدا عن مطالبته بالاستقلال الوطني ، وظل زعيما وطنيا على الرغم من تجريده من ألقابه وقطع مخصصاته الشهرية . حتى اعاد الأمير عبدالله المخصصات الشهرية الى الشيخ حسين الطراونة التي قطعت عنه سنة 1929م . . .
اصبح حسين الطراونة علماً من أعلام المعارضة العربية المناوئة للانتدابات الأوروبية في الوطن العربي بعامة وفلسطين والأردن بخاصة ، وأصبح اسمه يتردد في الوثائق والملفات البريطانية كزعيم للحركة الوطنية الأردنية المعارضة للسياسة الاستعمارية في الأردن .
ظل الوطن همه الشاغل الوحيد للشيخ حسين الطراونة وكانت مرجعيته الوحيدة الأمير عبدالله ، في شكواه عن أحوال البلاد ، وتصرفات الحكومة ضد الشخصيات الأردنية المعارضة لسياسة الحكومة .
الحكومة العـربية المؤآبـية ( حـكومة الكـرك )
® تاريخ الأردن في القرن العشرين / منيب الماضي وسليمان الموسى صفحة 117 : بعد إنتهاء الحكم الفيصلي في سوريا تولى الشيخ رفيفان المجالي إدارة منطقة الكرك ( وذلك بالنظر لزعامة عشيرته ونفوذها ) وكان يمثل السلطة التنفيذية باعتباره يقوم بمهمات متصرف اللواء ، وكان الشيخ حسين الطراونة يمثل السلطة التشريعية باعتباره رئيسا للجنة القوانين ، وعضوا في المجلس الأعلى او رئيسا للمجلس الاعلى إذا غيبنا الضابط البريطاني ميجور (كلنفيك )الذي يشغل وظيفة المعتمد البريطاني في حكومة الكرك .
وحـل محله الميجر ( كركبرايد ) : السير أليك كركبرايد الذي صار فينا بعد معتمداً لبريطانيا في شرقي الأردن ، ثم وزيراً مفوضاً بعد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية ، وقد تحدث عن فترة حكومة الكرك المحلية في كتابه ( خشخشة الأشواك )
لم تكن حكومة الكرك تملك مقومات الحكومة السياسية الرسمية، مثلها مثل بقية الحكومات المحلية الاخرى. والذي يميزها عن غيرها انها سارعت بوضع لائحة قانونية لتنظيم العلاقة بين الأهالي والمجلس الأعلى، وجميع موادها كانت تركز على الشؤون العدلية والقضاء ، بحكم الظروف الأمنية غير المستقرة في المنطقة ، وبخاصة بين عشائر الكرك نفسها .
وبناء على توجيهات الضابط البريطاني ، وبعد وضع اللائحة القانونية وتصديق المجلس الأعلى للحكومة الوطنية المؤآبية 21 كانون اول 1920 وهم عودة القسوس ، نايف المجالي ، عبدالله العكشة ، حسين الطراونه ، تقرر إعادة تشكيل المؤسسات الحكومية بما فيها محكمة البداية ، وبخاصة بعد الاستغناء عن الطاقم الوظيفي الذي كان في العهد الفيصلي ، وكانت التشكيلات على النحو التالي ® صفحة 119 (هامش 3 ) :
- عطا الله الطراونة - قائدا للمنطقة
- عبد القادر الجبور - مأمورا للتسجيل
- عبد ربه الرماضين - قائدا للدرك
- عمران المعايطة ، مديرا للديوان والرسائل في المتصرفية
- حـنا العمارين - سكرتيرا للمجلس العالي
- الشيخ عارف طهبوب - قاضيا للشرع
- سابا العكشة - رئيسا لكتاب المحكمة
- فلاح المدادحة - كاتبا للضبط
- طاهر ابو طيور- مسؤولا ماليا / محاسباً .
وكان المجلس الأعلى هو المرجعية الوحيدة في كل القضايا الداخلية والخارجية وبالنظر لعدم وجود مرجع قضائي أعلى، فقد احتفظ المجلس العالي بحق النظر في استئناف الأحكام وتمييزها.
وكما كانت محكمة البداية هي الوحيدة في الكرك التي تحكم في قضايا الناس فقد اهتم المجلس العالي بهيبتها القضائية، وأعاد تشكيلها من أصحاب الخبرة ، وهم :
- عطا الله السحيمات رئيسا
- عودة القسوس - مدعيا عاما
- يوسف العكشة - عضوا ملازما
- ممدوح المجالي - عضوا
- حنا العمارين - عضوا
- متري الزريقات - عضوا، بالاضافة الى عمله (سكرتير المجلس العالي).
وكان المجلس العالي بمثابة محكمة استئناف وتمييز بالنسبة للأحكام التي تصدرها محكمة البداية .
وجرت انتخابات لتأليف المجلس العالي للمنطقة تمخضت عن انتخاب الأشخاص التالية أسمائهم بتاريخ 19 أيلول 1920 : ® صفحة 117
عن الكرك :عطوي المجالي ، حسين الطراونه ، سلامه المعايطه ، الخوري عوده الشوارب ، عبدالله العكشة ، نايف المجالي .
عن الطفيلة : موسى المحيسن ، عبدالله العطيوي .
وهـذا يدل على ان ثمـة عـلاقة بين الطـفيلــة وحـكومة الكـرك وذلك من خلال مشاركة :
زعماء الطفيلة الى جانب زعماء الكرك بالاجتماع الذي عقد في السلط مع المندوب السامي البريطاني، كما شارك الشيخ موسى المحيسن، والشيخ عبد الله العطيوي في المجلس العالي، وكان من بين قرارات المجلس العالي في اجتماعه الثالث « ان يتولى ابناء الكرك والطفيلة شؤون الادارة العامة وشؤون المؤسسات التابعة للمجلس العالي والحكومة بما فيها شؤون القضاء والمحاكم » ، وتمكنت حكومة الكرك من تنظيم العلاقة مع الطفيلة بصورة جيدة ، حتى ان الطفيلة مارست استقلالها الذاتي في الشؤون المالية وعين :
السيد حسين رمضان مسؤولا ماليا /محاسباً ،
وعين مصطفى المحيسن قاضيا للشرع ،
وسميت الطفيلة قائمقامية برئاسة : الشيخ صالح العوران .
لم تنفصل الطفيلة عن الكرك مثلما عمل عودة أبو تايه بانضمام معان الى الحجاز بل استمرت الطفيلة بعلاقتها الادارية مع عاصمة اللواء . .
بعد الانشقاقات التي حصلت على حكومة اربد ، بتشكيل حكومة لعجلون وحكومة لجرش ، وحكومة للرمثا ، بالاضافة الى حكومة دير يوسف ، تخوف الشيخ حسين الطراونة من انشقاق الطفيلة ، وان يعلن الشيخ صالح العوران انشقاقه عن حكومة الكرك ، لذلك عجل بمفاتحة الشيخ رفيفان المجالي بتخوفاته ، فعقد لمناقشة هذا التخوف جلسة شبه سرية في ديوان الشيخ عطيوي المجالي ، حضرها بالاضافة الى الطراونة والمجالي ، القاضي عارف الطهبوب والمدعي العام عودة القسوس . وقدم الشيخ حسين الطراونة شرحا لأسباب تخوفه ، ومنها : سياسة المعتمد البريطاني المقيم في الكرك الميجر ( كركبرايد ) القائمة على مبدأ ( فرق تسد ) ، واعطى مثلا على ذلك ما قام به الميجر «سمرست» المعتمد البريطاني في اربد ، والذي شجع على اقامة حكومات جديدة انفصلت عن حكومة علي خلقي الشرايري . .
ومن أسباب تخوفه ايضا « ان الحالة الأمنية والعشائرية في الطفيلة مستقرة اكثر من الكرك ، واذا لم نضع حدا للخلافات في الكرك ، فإننا نعطي المبرر للطفيلة بالانشقاق ، حتى لا تكون شريكة في هذه النزاعات العشائرية » وقام حسين الطراونة ، وعودة القسوس بزيارة الطفيلة ووضع الشيخ صالح العوران وبقية مشايخ الطفيلة بصورة التطورات ، كانت تخوفات الشيخ حسين الطراونة من انشقاق الطفيلة عن حكومة الكرك في غير محلها ، فوجد الشيخ صالح العوران ، وموسى المحيسن ، وعبد الله العطيوي ، اكثر حرصا على وحدة المنطقتين من بعض زعماء الكرك . . .
® صفحة 123« وتمكنت حكومة الكرك من تنظيم العلاقة مع الطفيلة ، حيث كان التخوف من انشقاقها عن الكرك ، لذلك بقيت قائمقامية الطفيلة تابعة للكرك ، كما كانت ، وان علاقة القائمقام الشيخ صالح العوران ، شيخ مشايخ الطفيلة مع الحكومة كانت جيدة جدا، وكان يقدم النصح والمشورة لزعماء الكرك الذين انقسموا على انفسهم في الآونة الاخيرة ، ودعاهم الى الحكمة والتروي وتحكيم العقل في حل الخلافات التي نشبت بين شرقي الكرك وغربيها، والتي وصلت في بعض مراحلها الى المحاربة بالسلاح مما اعجز الدرك المحلي عن حفظ الامن وجعل (كركبرايد) المعتمد البريطاني لدى حكومة الكرك يتدخل بالأمر عندما احضر من فلسطين مفرزة من الشرطة لحفظ الامن ( حوالي 35 رجلاً – بقيادة ابراهيم حقي ) داخل قصبة الكرك » وذلك نتيجة اختلال الأمن .
ومن خلال معاهدة ( أم قيس ) 2 أيلول 1920 بشأن الحكومة العربية الجديدة تم عرض :
مشـروع الوحـدة مع حـكومـة اربد
عـلي خـلقـي الشـرايـري
كانت شروط الزعامات الشمالية على الحكومة البريطانية الممثلة في شخصية المندوب السامي البريطاني في القدس « تقبل بان تشكل ، الأن حكومة عربية وطنية مستقلة مركبة من لوائي الكرك والسلط و قاضائي عجلون وجرش ، ونطلب بشدة والحاح تشبث الحكومة البريطانية بضم لواء حوران وقضاء القنيطرة الى هذه الحكومة ونتمنى ان يتبعها قضاءا مرجعيون وصور » ومطالب نورد منها : ® صفحة 106
1 - ان يكون لهذه الحـكومة أمـير عـربي .
2 - ان يكون لهذه الحكومة مجـلس عـام لوحـدة البـلاد .
3 - ان يكون لهذه الحـكومة جـيش وطنـي لأجل حفظ النظام وتقرير الأمن فيها .
وكان عدد المطالب (16) مطلبا ، لم تحقق الحكومة البريطانية واحدا منها ، وقد رد الميجر (سمرست) على المطالبة ، بان تحقيق الوحدة بين لواءي الكرك والسلط ، وقضائي اربد وجرش ، يتوقف على موافقة اهالي الكرك والسلط ، وقال « بخصوص تشكيل مجلس عمومي لهذه الحكومة (الموحدة) ، هذا الطلب يقدم الى فخامة المندوب السامي ليصادق عليه بعد استشارة اهالي السلط والكرك » .
بناء على ذلك وجه رئيس حكومة اربد علي خلق شرايري رسالة الى حكومة السلط واخرى الى حكومة الكرك ، وهذا نص رسالته الى حكومة الكرك : ® هامش صفحة 114
«الحكومة العربية : قائمقامية قضاء عجلون
الى حضرة متصرف لواء الكرك المحترم
أوافي حضرتكم طي كتابي هذا بصورة المعاهدة التي جرت بين اهالي قضاء عجلون والمعتمد البريطاني الميجر (سمرست) في شأن حكومة شرقي الاردن العربية فأرجوكم تبليغها لأهالي الكرك والتفضل باعلامي آراء الشعب هناك كي نكون على بصيرة من أمرنا، ونسعى لإيجاد رابطة مدنية لذلك العش الصغير، فمن الضروري ان تطلبوا انتم ايضا نفس الطلب، حيث ان فخامة المعتمد السامي شرط في قبول الأمير والمجلس العام والجيش المحلي وموافقة اهالي جميع المنطقة، واننا بانتظار جوابكم والسلام عليكم.